بعد الجائحة، مصممو منتجات نحو الاستدامة والتكيف مع التحديات
اختبرت جائحة كورونا قدرة الأفراد على التأقلم مع ظروف فُرِضَت عليهم، منهم من اضطروا إلى إغلاق مشاريعهم، وآخرون ابتكروا حلولًا سعوا من خلالها إلى مواجهة تأثير الجائحة، مكيفين أنفسهم ومشاريعهم مع التحديات، بهدف الوصول إلى مشاريع أكثر قدرة على البقاء والاستدامة.
بشرى أبو اللوز مصممة داخلية، تأثر عملها الحر بفعل جائحة كورونا، ووجدت نفسها أمام صعوبات منعتها من الاستمرار في العمل على مشاريع كانت تعمل عليها قبل الجائحة، بالإضافة إلى عقبات أخرى، كالتعامل مع مشاكل العملاء وصعوبة تنفيذ المشاريع وغيرها.
في تلك الفترة، حاولت بشرى تحويل الانتكاسة إلى فرصة تطور بها نفسها وقدراتها الذاتية لتحقيق طموحاتها، إذ لم يفارقها الأمل في أن تصبح يومًا مصممة لديها علامة تجارية خاصة بها، وكان ذلك دافعًا لها أن تستغل فترة الحجر المنزلي بإعداد نفسها نحو مرحلة ما بعد الحجر، وذلك من خلال التسجيل في العديد من ورشات العمل والدورات لتعزيز إمكاناتها ومهاراتها في هذا المجال.
انضمت بشرى إلى برنامج "زمالة تصميم المنتجات: نحو الاستدامة والقدرة على التكيّف"، إذ وجدت فيه فرصة لتطوير ذاتها، وزيادة معرفتها وخبرتها في عملية تصميم المنتجات، وأيضًا خروجًا من معاناة العزلة الاجتماعية التي عاشتها نتيجة ما فرضته عليها الجائحة.
هذا البرنامج يقدمه معهد غوته-الأردن، من خلال إطار عمل تكوين، بالشراكة مع تويلف ديغريز، ويهدف إلى استقطاب المصممين والمصممات الشباب أو المهتمين في مجال التصميم، وذلك بهدف تعزيز خبراتهم ومرونتهم وقدرتهم على التّكيّف والاستجابة في زمن مواجهة التّحدّيات الصّعبة، خاصة بعد جائحة كورونا، وتوسيع نطاق أنشطتهم المِهَنيّة.
طبيعة عقد ورش البرنامج وجاهيًا ساعدت المشاركين على التفاعل اجتماعيًا وبناء العلاقات، يقول صفا حجازين، أحد مدربي الأعمال في البرنامج، فطبيعة تفاعل المدرب مع المشاركين والمشاركين مع بعضهم البعض، تساعد في طرح الأفكار في إطار بنائي تجريبي تشجيعي، بعيدًا عن الخوف من الفشل في سوق العمل الفعلي، فالأخطاء في البيئة التجريبية مسموحة، كما يغني هذا التفاعل المدربين والمشاركين.
ويضيف حجازين أن خلفيات المشاركين المتنوعة وخبراتهم المختلفة ساعدتهم على الاستفادة من بعضهم البعض، من خلال مشاركة ما مروا به من تجارب ناجحة أو فاشلة، للوصول إلى ما هم عليه. فبعضهم ما زال في مرحلة مبكرة من عملية التصميم وإنتاج أفكار المشاريع، بينما آخرون وصلوا مراحل متقدمة ولديهم مشاريعهم الخاصة لمنتجات متنوعة.
كانت بشرى واحدة من 15 مشاركًا ومشاركة في البرنامج، من تخصصات ومجالات أكاديمية مختلفة، منها العمارة والتصميم الداخلي والرسوم المتحركة وهندسة الميكانيك والتسويق، وغيرهم ممن لديهم اهتمام في التصميم وتصميم المنتجات.
على مدى ثلاثة شهور -هي مدّة البرنامج- طورت بشرى مهاراتها من خلال جلسات الإرشاد الفرديّة وأكثر من 13 ورشة تدريبية، مع العديد من الاستشاريين والخبراء من الأردن ومن مختلف أنحاء العالم، تناولت العديد من المهارات كالقيادة والمرونة وتصميم النماذج المتقدمة والسرد القصصي وغيرها من المهارات التي تخدم المصمم في أثناء عملية التصميم والتفكير التصميمي.
يرتكز البرنامج حسب منسقه من معهد غوته خالد عوده على الاستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية لتصميم المنتجات، واستهدف المصممين والمصممات الذين يعملون بشكل حر أو جزئي أو العاطلين عن العمل، ممن تضررت أعمالهم من جراء الجائحة، ويرغبون في تعزيز مهاراتهم وقدراتهم من أجل إيجاد مصادر للدخل.
قبل انضمامها إلى البرنامج، تقول بشرى إنها لم تكن على معرفة بماهية فكرة المنتج الذي تود طرحه، وإنها خرجت بفكرته أثناء واحدة من الورش مع إحدى مرشدات البرنامج، التي جعلتها تفكر في حل لمشكلة تواجه عائلتها بالاستفادة من بقايا ومخلفات القهوة وإعادة تدويرها. فكان البرنامج فرصة مشجعة لها لطرح الفكرة على مجموعة من المرشدين ذوي الخبرة في تصميم المنتجات والأخذ بمشورتهم في كيفية التطوير والبناء على الفكرة.
واجهت بشرى تحديات عدة أثناء العمل على المشروع، تتمثل في قلة المشاريع السابقة في هذا المجال، كون فكرة إعادة تدوير مخلفات القهوة ما زالت جديدة وقليلة في العالم العربي والعالم، ولكن ذلك شكّل أيضًا فرصة لها لتصبح الأردن رائدة فيه، خاصة أن استهلاك القهوة في الأردن عالٍ.
تذكر بشرى أن ورشة السرد القصصي هي أكثر ورش العمل التي أثرت بها على الصعيد الشخصي والعملي، وذلك بسبب الأسلوب الذي طرحت فيه مستشارة الأعمال دينا مشربش الورشة، التي شاركتهم خلالها قصصها وتجاربها الشخصية. تقول مشربش إن «المشاركين شعروا براحة نفسية خلال الورشة وأنهم في بيئة آمنة، خلتهم يشاركوا الآخرين أمور شخصية وقصص ملهمة».
سعت مشربش خلال يومي ورشة عملها للخروج بأفضل ما لدى المشاركين، وذلك من خلال تكليفهم بتمارين على جميع أنواع السرد القصصي، كالسرد المكتوب والمرئي والمسموع، وسعت لتدريبهم على المهارات اللازمة لذلك، كالتحكم في نبرة صوتهم ولغة جسدهم ومهارات الكتابة الإبداعية.
ترى مشربش أن أسلوب السرد القصصي هو أسلوب قوي لإقناع وجذب الأشخاص بشكل غير مباشر، وهو أداة تكتيكية يحتاج إليها الناس في أعمالهم اليومية، وتربطهم مع الآخرين عاطفيًا، وتعزز من علاماتهم التجارية بين زخم المنتجات في العالم اليوم.
وبعد عدة ورشات، بدأت بشرى بتكوين فكرة جديدة عن تصميم المنتجات، وأخذت ملامح فكرة منتجها تتبلور وتنضج أكثر فأكثر مع كل ورشة، وسرعان ما بدأت التفكير في إمكانية تحويل بقايا القهوة الى مواد جديدة لإنتاج الملابس والأكواب والاستفادة منها في الزراعة وغيرها.
تعتقد بشرى أن المبادرة في التفكير بإعادة هذه المخلفات، تساهم في الحد من الأضرار في البيئة، لأن عملية إنتاج القهوة واستهلاكها هي دورة متكاملة تبدأ بمزارع القهوة وتنتهي بها، وتؤثر وتتأثر بجميع أركان الدورة، وهذا ما تسعى الى توظيفه في منتجها النهائي.
شغف تصميم المنتجات ومعرفة المزيد عنها كان هاجس جميع المشاركين في برنامج الزمالة، فدفع ذلك سارة القلعاوي، وهي شريك مؤسس في مشروع "إس إن سي" لتصميم الحرف الشرقية يدويًا، إلى الالتحاق بالزمالة رغبة منها في التعلم والتعمق وتطوير ذاتها من خلاله، وبعيدًا عن أي معرفة مسبقة اكتسبتها من خلال مشروعها الخاص، بهدف الخروج بمعرفة شاملة عن تصميم المنتجات.
تقول سارة إنها اكتسبت العديد من المهارات التي كانت بحاجتها في تصميم منتجاتها، فتعلمت طريقة إيجاد فكرة أولية للمنتج، وتحويلها إلى الواقع بطريقة أسهل وأبسط مما كانت تقوم به، والوصول بذلك إلى المنتج النهائي. كما أتقنت مهارة تحويل المواقف الصعبة والتحديات والعقبات التي قد تواجهها أثناء العمل إلى فرص ايجابية للتعلم واكتشاف وتطوير الذات.
وبعد ثلاثة أشهر من ورش العمل، يقول سيف شريدة، منسق البرنامج من تويلف ديغريز، إن المشاركين سيخرجون بأفكار لمشاريع تشكل ركيزة أساسية لهم، طُوّرت نتيجة اكتسابهم لخبرات ومهارات جديدة ومتنوعة، ويمكنهم البناء عليها فيما بعد، للخروج بمشاريع أكثر نضجًا.
ويسعى المشاركون في النهاية، بحسب شريدة، لعرض ما توصلوا إليه في فعالية تهدف إلى تشبيكهم مع أشخاص قد يتعاونون ويتشاركون معهم، مما يفتح أمام المشاركين آفاق مشاريع جديدة، يجدون فيها طموحهم في بناء منتجاتهم وأعمالهم المستقبلية.